بينما يضع المدرسون قوانين للفصل، ويحددون نتائج عدم اتباعها، كما يحرصون على دعم المناهج للسلوك الإيجابي، إلا أن هناك سلوكيات مشتركة معينة تتطلب من الفريق التعليمى وضع توجيهات لحفظ التوافق بين بيئتي المدرسة والمنزل. وحيث أن هذه السلوكيات شائعة لدى الكثير من أطفال ذوي متلازمة داون، لكنها ليست من خصائص المتلازمة – ولا توجد في "الجينات" – بل هي عبارة عن سلوكيات تمثّل طرق الأفراد في التأقلم مع المواقف ومحاولتهم إحكام السيطرة بإستخدام مهارات إدراك وتواصل محدودة. ومع مرور الوقت، وبينما يرسخ البالغون هذه السلوكيات غير المرغوبة فيها من دون قصد، فإنها تصبح مشكلة سلوكيات لا تؤثر فقط على تطور الطفل وتعلمه، بل أيضا على الأسرة ككل. لذا يقدم هذا القسم استراتيجيات وأدوات للتعامل مع سلوكيات محددة.
العجز وسلوك التهرّب المكتسبان بالتعلّم
يستخدم بعض أطفال ذوي متلازمة داون منذ مراحل طفولتهم المبكرة استراتيجيات معيينة لتجنب المواقف التعليمية التي تكون المهام فيها غاية في الصعوبة أو السهولة أو الملل أو التعقيد أو الخطورة. وتتضمن هذه الاستراتيجيات تشتيت انتباه المدرِس أو مقدم الرعاية، ورفض التعاون، واتخاذ خيارات عشوائية، وارتكاب أخطاء مقصودة، وإيجاد مخططات أخرى لأنفسهم. ويكون من المحتمل في البداية أن تجنبهم هذه الاستراتيجيات مواجهة الفشل أو تأدية المهمة أو أن تُشرِك الشخص البالغ في مخططات الطفل، لكنها سرعان ما تتحوّل إلى نمط سلوكي يُعمَّم على جميع المواقف التعليمية. وبالتالي يتعلم الطفل العجز ويفشل في "تعلم كيفية التعلم".
سوء استخدام السلوكيات الاجتماعية لتجنّب المهام
تصف الباحثة الاسكتلندية جنيفر ويشارد كيف يسيء الأطفال الصغار من ذوي متلازمة داون إستخدام السلوكيات الاجتماعية، مثل الابتسامة والتصفيق ولفت نظر البالغ والتحديق به والقيام بـ "خدع سحرية" لتشتيت انتباه البالغ الذي يدرِّس مهاما إدراكية. ولم تُلاحَظ هذه الأنماط من السلوكيات السلبية لدى الرضّع من ذوي متلازمة داون والذين يُعدّون متعلمين أكثر كفاءة. ولدى السيدة ويشارد نظرية مفادها بأن هذه السلوكيات لدى الأطفال الصغار هي مكتسبة وليست موروثة. وتُستخدم هذه الاستراتيجيات لتجنب الفشل– فإنهم بعدم المحاولة يستبعدون إمكانية إرتكاب الأخطاء. ويشعرون بالأمان من خلال السلوكيات الاجتماعية التي لطالما جعلتهم ينالون استحسان الكبار.
الأخطاء المقصودة والإجابات العشوائية وسلوك الإغاظة
بالإضافة إلى سوء إستخدام المهارات الإجتماعية لتجنب المهام الإدراكية، فإن بعض الأطفال يرتكبون الأخطاء عمدا ويقومون بردود أفعال عشوائية من دون انتباه، في محاولة منهم لإشراك البالغ في لعبة "إغاظة". ويفعلون هذا كي لا يعرف البالغ بأخطائهم عندما يرتكبونها. ونادرا ما تُلاحَظ سلوكيات التهرب هذه لدى الأطفال الذين يتمتعون بميزات التوجيه المنهجي حيث تكون البرامج مخصصة ومبرمجة لتحقيق النجاح. إلا أنك ستصادف العديد من الأطفال الذين لم تُتَح لهم مثل هذه الميّزات وقد تعلموا بالفعل سلوكيات التهرب تلك. وفي مثل هذه الحالات، عليك الإلتزام بالمبادئ التوجيهية التالية:
أولا، تَفحَّص البرنامج:
-
هل هو ممل جدا؟ إن كان كذلك، اجعله أكثر إثارةً للاهتمام – غيِّر الوسائل وكن أكثر دراماتيكيا – فإنك تتمتع أيضا بمهارات "اجتماعية" جيدة.
-
هل هو سهل جدا؟ إن كان كذلك، انتقل إلى مستوى أكثر تحديا.
-
هل هو صعب جدا؟ إن كان كذلك، ارجع خطوة للوراء وقدم بعض التمارين على مستوى أقل من شأنه أن يبرز نجاح الطفل.
-
هل هو ذات معنى ومفيد للطفل؟ إن لم يكن كذلك، ألغ المهارة وغير الأهداف بحيث تتلاءم أكثر مع احتياجات الطفل وقدراته.
ثانيا، بعد تحديد مدى ملائمة البرنامج، يحين الوقت لمواجهة الطالب بالمشكلة:
-
ابدأ بمهارة تعرف أن الطفل يمكنه القيام بها.
-
امسك زمام الأمور في اللعبة التي يلعبها معك، بحيث تحدد بعض القوانين وتفرِض نتائج صارمة عند ارتكاب الأخطاء:
-
يسجل المدرس نقطة عندما يخطئ الطفل
-
يسجل الطفل نقطة عندما يعطي إجابة صحيحة
-
-
ضع علبتين عملات معدنية رمزية (أو جوائز)، واحدًا للطفل ويحمل اسمه أو صورته، وآخر للمدرّس مع اسمه أو صورته أيضا واجعلهما أمام نظر الطفل.
-
أخبر الطفل بأنك ستحاول "خداعه". وإذا نجحت في ذلك، تسجل نقطة. أما إذا لم تستطع ذلك وكشف الأمر، فهو الذي يسجل نقطة. فقد كان يحاول خداعك ولذلك تلعب معه لعبة "الخدعة".
-
إذا واصل الطفل محاولة إغاظتك وارتكب الأخطاء (كما هو معتاد لامتحان القوانين)، ضع عملة في وعائك وقل "لقد فزت، لقد خدعتك!"
-
إذا أزعجه ذلك، وهو ما يحصل عادة، اعرِف أن الأمر ينجح. لذا كن متعاطفا، وأخرج العملة من وعائك لتهدئته، وقل له، "أتريد المحاولة مجدداا؟"
-
عادة ما يكون الطفل متلهّفا لأداء المهام والنجاح، وفي هذه الحالة ضع العملة في وعائه قائلا "لقد فزت أنت! لم أتمكن من خداعك!"
-
استمر في ’محاولة خداعه‘، لكن افشل في ذلك – وأخبره بأنه ذكي جدا بالنسبة لك، لكنك ستواصل المحاولة!
اجعل الأمر مهما ومحفّزا للطفل كي يبذل ما بوسعه. ولكن لهذه اللعبة عواقب عند عدم المحاولة أو عند تقديم إجابة خاطئة. وبهذه الطريقة ستعرف أن الإجابات الخاطئة غير مقصودة. قدم المساعدة عندما يعطي الطفل إجابة خاطئة، مثل إعادة الدور والإشارة إلى الإجابة الصحيحة قائلا "حاول ثانية". وتذكر أنك تدرس ولا تختبر، وتمنح الطفل كل فرصة ممكنة للتعلم. فمن المهم للأطفال أن "يعرفوا أنهم عرفوا" وأن "يعرفوا عندما لا يعرفون". لذلك لا تشجعهم على التخمين، بل علِّم الطفل أن يقول "ساعدني" عندما لا يعرف الإجابة، وامدحه على طلبه للمساعدة – فهذا هو التصرف الذكي الذي يجب القيام به. وبعد ترسيخ السلوك الجيد، ستنتهي بالطبع مرحلة ’الخداع وتسجيل النقاط‘ ولكن يجب أن يحتفظ الطالب بالوعاء الذي يمثل إجاباته الصحيحة، إذ من المهم توفير تعزيز بصري للعمل الجيد.
وقد يحتاج بعض الأطفال إلى طعام يرغبون في تناوله او يفضلونه كثيرا، بدلا من عملة نقدية. ويمكن أن يُستبعَد تدريجيا التعزيز بالطعام، حالما يبدأ الطفل بالاستمتاع بتجربة التعلم واكتشاف متعة الإنجاز وكونه ’فائز‘.
النتائج الطبيعية والمنطقية
السر الذي يجب معرفته هو كيفية عرض المسألة على الطفل – ونتائج سلوكياته. تأتي النتائج ضمن فئتين عامتين، نتائج طبيعية وأخرى منطقية. النتائج الطبيعية هي تلك التي تحدث بشكل ’طبيعي‘ نتيجة السلوك والنتائج المنطقية هي تلك التي ترتبط بالسلوك– وتكون منطقية – ويفرضها الأهل والمعلّمون ومقدّمو الرعاية. ويجب على العواقب، كالآراء والملاحظات، أن تكون فورية ومحددة ومتّسقة كي تكون فعالة.
النتائج الطبيعية
غالبا ما تكون النتائج الطبيعية غير فورية وغير محددة وبالتالي غير فعالة في إدارة السلوك، بالإضافة إلى أن بعضها غالبا ما يعرِّض الطفل للخطر. لذلك يُعدّ تدريس الأطفال منهجيا ’سبب ونتيجة‘ - الخيارات والعواقب، الطبيعي والمنطقي – خياراتهم، سواء أكانت ’جيدة‘ أو ’سيئة‘ –جزء مهما من منهج مدارس محمد بن نايف بن عبدالعزيز لمتلازمة داون للمهارات الاجتماعية.
وبالنسبة للنتائج الطبيعية الفورية والمحددة والتي لا تؤذي الطفل، فإنها غالبا ما تكون أكثر الخيارات فعالية – إذ تعالج المشكلة بسرعة ولا ينتج عنها إزعاجات. فإذا رفض الطفل مثلا ارتداء معطف عندما يبرد الطقس، اسمح له بالخروج من دون ارتدائه بدلا من الدخول معه في ما يشبه الصراع على السلطة. ومن شأن النتيجة الطبيعية لشعوره بالبرد أن تجعله يغير رأيه.
وهنالك بعض النتائج الطبيعية التي تكون محددة ولكن غير فورية. فالفشل المستمر مثلا في تنظيف الأسنان بالفرشاة والخيط سيؤدي مع مرور الوقت إلى تسوّس الأسنان وأمراض اللثة. كما أن الاستمرار في استهلاك كمية سعرات حرارية تزيد عن حاجتك سيسبب لك مع مرور الوقت البدانة. وجميعنا نعلم بشأن هذه العواقب، فهي محددة، لكن لأنها ليست فورية، فإننا نميل إلى تجاهلها ونترك "شعور الرضا" الذي يكون فوريا يفوز. وقد تمر سنوات قبل أن نواجه النتائج الكاملة لسلوكياتنا – قبل أن نفهم الأمر بالكامل (هذا إن حدث ذلك على الإطلاق). فلو عانيت من الألم في أسنانك في كل مرة تتغاضى فيها عن تنظيفها بالفرشاة والخيط، لكان من المحتمل ألا تتغاضى عن ذلك أبدا.
ولو اكتسبت الوزن فورا بعد تناول الكثير من الطعام، ثم خسرته فورا بعد تقليل كميات الطعام وممارسة الرياضة، فإن الحفاظ على وزن صحي سيكون أكثر سهولة. وتظهر النتائج الطبيعية لهذه السلوكيات (التغاضي عن نظافة الفم والأكل الصحي والرياضة) تلقائيا مع مرور الوقت عندما يغيب أي تدخل فعال. وبالمثل، فإن النتائج الطبيعية لسلوكيات الأطفال ستظهر تلقائيا عند عدم حدوث أي تدخل فعال.
النتائج المنطقية
بالنسبة للتوجيهات الخاصة بالتعامل مع سلوكيات التهرب، فإن ’تسجيل النقاط‘ لصالح المدرس هو نتيجة ارتكاب الطفل للأخطاء عمدا أو عدم اكتراثه للمهمة أو تقديمه لإجابات عشوائية. وتُعد "قاعدة تسجيل النقاط" مثالا عن عاقبة منطقية، محددة وفورية. وستكون النتيجة الطبيعية لمثل هذا السلوك فشل الطفل في "تعلّم كيفية التعلم" – سيستمر في تجنب المواقف التعليمية، وسيدمر من دون قصده كل ما تعلمه، كما فعل الكثير من الأطفال وسيستمرون في فعل ذلك طالما لا تُنفَّذ استراتيجيات تدخل فعالة. ولا يعي الأطفال الذين يسيؤون استخدام المهارات الاجتماعية لتجنب المواقف التعليمية تلك العواقب الطبيعية طويلة الأمد - وينطبق الأمر نفسه على العديد من أساتذتهم.
العجز عن إدارة الذات المكتسب بالتعلم
لا يقتصر العجز المكتسب على تجنب المهام الإدراكية، بل يحدث أيضا لتجنب مهام إدارة الذات. وليس من الغريب بالنسبة لشخص من ذوي متلازمة داون أن يحاول الوصول إلى مرحلة البلوغ ويبقى بحاجة إلى المساعدة و الإشراف عليه لإستكمال مهام إدارة العناية الشخصية، مثل الاستحمام وارتداء الملابس والإلتزام ببرنامج معين. وحتى عندما يمتلكون المهارات لتأدية هذه المهام، فإنّ الأفراد ذوي العجز المكتسب بالتعلم يحتاجون إلى الإشراف عليهم وينتظرون المساعدة والتعليمات. ويكونون أحيانا بطيئين للغاية ومشوشين، بحيث يجد مقدمو الرعاية أنه من الأسهل القيام بكل شيء بالنيابة عنهم بدلا من تعليمهم الاستقلالية. وبذلك فإن الأهل ومقدمو الرعاية هم الذين يطورون العجز المكتسب بالتعلم ويحافظون عليه، إما لأنهم لا يعرفون كيفية تعليمهم الاستقلالية، أو لأنهم يعرفون ذلك ولكنّهم يجدونه متعبا للغاية أو مستنفذا للكثير من الوقت. وتتمثل العواقب الطبيعية لذلك في أن الأفراد ذوي العجز المكتسب بالتعلم سيصبح لديهم خادم او مدير شخصي، فمن يكون الشخص الذكي هنا؟
جميعنا مذنبون لقيامنا بأشياء بالنيابة عن الأطفال عندما نكون على عجلة وليس لدينا الوقت ببساطة وهذا أمر مقبول. فالنكسات المتقطّعة الحاصلة عبر تقديم المساعدة عندما يمثل الوقت عاملا هاما، أو عندما لا يكون الشخص بصحة جيدة، أو في حال وقوع ظروف أخرى غير مخطط لها، لن تسبب أي أذية وليست بأمر يستدعي الشعور بالذنب. ولكن يجب أن يكون هذا إستثناء وليس قاعدة. يجب على الأطفال أن يتعلموا إتباع البرامج والتسلسل الموضحة حيال مهارات الإهتمام بالذات سواء في المنزل أو في المدرسة، وتطبيق هذه المهارات وتعميمها على كافة المواقف إلى أن تصبح عادة. وإنه ليس بالأمر الصعب. ففي الواقع، حالما ينطبق هذا، يكافأ الأهل بنتائج طبيعية تتمثل في أن يصبح أطفالهم أكثر كفاءة وتصبح حياتهم المنزلية أكثر انسجاما ويصبح لديهم المزيد من الوقت. ويجب على المدرسين تزويد الأهل بالوسائل وتدريبهم فهذا هو الواجب المنزلي للطالب.
السباق مع الوقت
لبناء الإستقلالية في تأدية جميع المهام المطلوبة قبل المغادرة إلى المدرسة، يجب تدريب الأهل على كيفية تعليم أطفالهم أن يلعبوا لعبة "السباق مع الوقت". فالطالب يتبع برنامجا يحدد الوقت المسموح به لكل مهمة. ويضبط المتعلم مؤقتا لتحديد المدة المسموح بها لكل مهمة قبل أن يبدأ بها، وبذلك يبدأ السباق مع الوقت. ومع كل مهمة ينجزها قبل انطلاق تنبيه المؤقت، يحصل الطفل على عملة معدنية ويختلف عدد العملات من مهمة إلى أخرى. ويمكن استبدال العملات بأغراض أو أطعمة أو ميّزات يرغب المتعلم في الحصول عليها. وقد قالت إحدى الأمّهات إنّه في حال أحرز ابنها ما يكفي من العملات، يمكنه مشاهدة فيلم ال DVD المفضل لديه قبل الذهاب إلى المدرسة. فمن شأن المؤقت أن يضبط إيقاع الطلاب ويُبقيهم مركزين على المهام، ويتعلمون أن يقدروا قيمة الوقت مثلنا جميعا. وتتضمن هذه اللعبة ممارسة مفهوم إدراكي مهم حول الزمان والمكان – وهذا هو الواجب المنزلي المهم للمتعلم؛ أي ممارسة المهارات التي يتعلمها في المدرسة وتطبيقها وتعميمها. أما المعرفة الحقيقية فهي تطبيق المفاهيم المكتسبة في مواقف جديدة.
يمكن للمدرّسين العمل مع الأهل لتطوير برنامج فردي وموضح برسوم يتضمن مهارات مختلفة، مثل إطفاء ساعة المنبّه والذهاب إلى الحمام وارتداء الملابس وتناول الفطور وتنظيف الأسنان وتجهيز حقيبة المدرسة. ويبدأ الإستعداد للعبة من الليلة السابقة مع وقت نوم محدد يسمح بالحصول على مقدار كافٍ من النوم. وكجزء من روتين وقت النوم، حضِّر اللعبة للصباح التالي. يجب تجهيز الملابس والأحذية، ووضع البرنامج والمؤقت والعملات المعدنية ووعاء العملات في مكان قريب وإلصاق تسلسل لكل مهمة بالقرب من المكان الذي ستُنجَز فيه (مثل ارتداء الملابس وتنظيف الأسنان عند الحاجة)؛ ووضع قائمة موضحة بالرسوم في المكان الذي توضع فيه الحقيبة لتوضيح جميع الأغراض التي يجب على الطفل وضعها في حقيبته المدرسية. ويجب على المتعلم أن يشغل المنبّه بنفسه في الليلة السابقة، ويطفئه في الصباح، ثم ينهض من السرير، ويذهب إلى الحمام – فهذه أول الأشياء على جدوله. وقد تكون مهمته التالية أن يقول صباح الخير لأفراد عائلته – يعلن أنه قد استيقظ على الموعد – قبل البدء بمهمة جديدة. ومن الجيد له أن يبدأ بالتفاعل مع الآخرين بعد أن يكون قد استيقظ بمفرده – وأن يتلقى عناقا صباحيا ومديحا بمناسبة إنجازاته. إذا كان هناك أحد غير الوالدين، كمربية أو خادمة أو شقيق، مسؤولا عن الطفل في الصباح، عليهم بالطبع أن يتعلموا كيفية اتباع البرنامج. وإنه لغاية في الأهمية أن يمتلك هذا الشخص لغة مشتركة مع الطفل.
التجول بعيدا، والمغادرة من دون استئذان، والهروب
يُعدّ التجول بعيدا والمغادرة من دون استئذان والهروب من أكثر السلوكيات الصعبة المخيفة والتي يجب على الأهل والإخوة ومقدمي الرعاية والمدرسين التعامل معها. في حين أنه من المزعج عدم تواجد أي شخص في المكان الذي يُتوقَّع أن يكون فيه وعدم إمكانية الوصول إليه، إلا أنه عندما يُفقد شخص يعاني من مشاكل إدراكية وتواصلية، فإنها حالة طارئة.
ونظرا للتعقيد الذي يتسم به أداء الطفل في بيئة غير مجهزة له، يستغرق الأطفال سنوات ليتعلموا الكفاءات الضرورية للتنقل والتواصل في العالم خارج منازلهم ومدارسهم في المجتمع. ويهدف تصميم المناهج القائمة على المجتمع إلى تدريس هذه الكفاءات إلا أنها عملية مستمرة مع تقدم كل طفل وفقا لحالته. وبالإضافة إلى ذلك، فإن النتائج لن تكون متشابهة بالنسبة لجميع الأفراد فبعضهم سيعمل بإستقلالية في المجتمع، وآخرون سيحتاجون دائما إلى الإشراف عليهم. ومن الموصى به للأفراد، وخاصة أولئك الذين يعانون من صعوبة في التواصل، ارتداء سوار تعريفي عليه رقم لحالات الطوارئ. وتُعدّ التكنولوجيا الحديثة، مثل أجهزة تحديد المواقع والهواتف المحمولة، مفيدة في العثور على الأفراد المفقودين، لكن يجب أن تكون بحوزتهم طوال الوقت فقد يختفون في الوقت الذي لا تتوقع فيه ذلك.
تخيل محاولة العيش في منزل من دون جدران وأن يكون عليك تحمّل المسؤولية في كل مرة تتخطى فيها الحدود. هذه هي حال أولئك الأطفال عندما لا تكون الحدود موضحة لهم ولم يتعلمونها، ومع ذلك فإن المسؤولية تقع عليهم. وكلما ازدادت القواعد التي نعرفها ونفهمها ونستطيع اتباعها، اتسعت الحرية التي نتمتع بها. وعندما يبدأ الأطفال الرضّع بالتحرك، علينا تجهيز الغرف التي يمكنهم الوصول إليها والإشراف عليهم عن قرب لضمان سلامتهم. وتُفرَض الحدود تدريجيا مع تعلم الأطفال للقواعد، وكلما استطاعوا ملاحظة المزيد من القواعد، أصبحوا أكثر تحضرا وكبرت حريتهم. ويمكن الوثوق بالأطفال الذين ليس لديهم إعاقات إدراكية لأداء الوظائف المختلفة في المنزل والمجتمع في عمر السادسة من دون القلق حيال تجولهم بعيدا أو هروبهم إلا أن طفل ذو متلازمة داون في عمر السادسة يكون أكثر ميلا إلى الحاجة لدعم كبير من حيث السلوك الإيجابي ليتعلم البقاء ضمن حدوده، وما الذي يفعله عندما يضيع، وكيف يستجيب، ويأتي عندما ينادى على اسمه.
وما أن يتمكن الطفل من المشي، يجب تعليمه كيفية الرد عندما يُنادى باسمه والمجيء عندما يُطلب منه ذلك. ثم يمكنك تعليمه أن يناديك باسمك وستذهب إليه عندما يناديك. وبعدها يمكنك الاختباء بدورك، وينادي الشخص المختبئ على الشخص الآخر ليعثر عليه– مثل (ماما تعالي!) ويجب دائمًا مكافأة الطفل على المجيء عند مناداته – حتى لو كان قد هرب وكنت بالتالي منزعجا وخائفا وغاضبا. حاول أن تهدأ وأخبره كم أنت سعيد بأنه قد رد عليك. فلو عوقِب الطفل عند قدومه، ليس من المرجح أن يربط العقوبة بمغادرته، بل بقدومه عند مناداته. وفي المرة التالية قد يكون خائفا من المجيء، وقد يؤدي ذلك إلى صراع قوة سيبقى الطفل مسيطرا عليه. ويمكن أيضا تعليم الطفل أن يأتي عندما يسمع صافرة، والتي لها مدى أطول من الصوت. والهدف هو أن يرغب الطفل في القدوم إليك، وأن يتعلم أن ينادي عليك عندما يريد منك أن تأتي إليه. وإذا لم تسمعه، ربما سيسمعه شخص آخر.